Sunday, February 5, 2012

وتراهم ينحنون فى صَغارٍ أمام جثة حية لفرعون عُتُلٍ زَنيم



وتراهم ينحنون فى صَغارٍ أمام جثة حية لفرعون عُتُلٍ زَنيم


شعب يبنى من أجل حضارة للزرع والحصاد وشعب يستقطع من زرعه وحصاده ليبنى محاريب عبادة لجثة إله مملحة



من خمسة آلاف عام بنى الصينيون سورهم العظيم ليس لحماية الإمبراطور داخل مملكته شاسعة الأطراف ولا لجعله إلهاً داخل حرم السور لتحريم عبادته على من خارجه ولكن لحماية الأرض والحرث والزرع وفى نفس الآونة تقريباً قبل ذلك بحقبة فى التاريخ ليست ببعيدة  بنى المصريون أوتادهم الماردة فى السماء  لا لتكون مرصداً يرصد منه عدو آتٍ 
ليحرق الحرث والزرع ولكن لعبادة جثة إلاههم الميتة  المملحة ضد العفن 

حضارة تبنى من أجل الزرع والحصاد و حضارة  تستقطع من زرعها وحصادها لتبنى محاريب عبادة لجثة إله مملحة

وبعد ذلك بثلاثة آلاف سنة حكمت مصر امرأة فائقة الحسن والذكاء ولكنها لم تكن مصرية وإن اقتصر أثر دماؤها الأجنبية على سلوكها الشخصى والسياسى,  فيما عدا ذلك فقد حكمت مصر كفرعونة إلاهة يطيعها طاعة العبادة الكهنة وكبيرهم وقادة جيوشها وأمراء بحارها على السواء , والرعية على أمرهم مغلوبون ومكلوبون كعهدهم طوال تاريخ مكتوب امتد قرابة السبع آلاف عام


ويشهد نفس الزمان  فى الناحية الغربية من عالم الحضارات القديم مشهداً من نوع آخر هناك يقف القيصر الرومانى جوليس سيزر فى مجلسه الجمهورى مزهواً بانتصارات جعلت من جمهوريته إمبراطورية عملاقة ويعلن  نفسه إمبراطوراً ديكتاتوراً مدى الحياة على الرومان إيذاناً بإلغاء أول جمهورية  فى التاريخ وإعلان الديكتاتورية الملكية وثار عليه مجلس السيناتورز وقام اثنان من أعضائه   برووتس  و  كاسيوس   باغتياله طعناً بالمدى أمام الملأ من المجلس واندلعت حرب أهلية  وبرغم انتصار أنصار القيصرالمقتول تحت قيادة  مارك أنتونى و أوكتافياس أوجاستاس عادت  الجمهورية  إلى روما 

وتقول الأنشودة واصفة تاريخ مصر السياسى وتمضى المواكب بالقادمين من كل لون وكل مجال فمن عصر مينا إلى عصر عمرٍ ومن عصر عمرٍ لعصر جمال وتسكت الأنشودة عن شعب مصر الذى قام بتأليه القادمين من كل لون وكل مجال إذ إن التاريخ يقول لنا صراحة إنهم جميعاً كانوا يستعبدون الشعب ويأخذون خوف الشعب معهم أينما مضوا فى مواكبهم أو إلى أهراماتهم وقبورهم

ثم كانت اتفاضة الشعب فى الخامس والعشرين من يناير 2011 ولعل الحدث كان  أكبر من التاريخ إذ نسى العالم تاريخ الشعب وانبهر به يخرج بعد سبعة آلاف من السنين عبد فيها فراعينه ليقول للفرعون المتوج على العرش إرحل , إرحل , إرحل     ورحل الفرعون خاسئاً ذليلاً     ووقف الدهر يحيى الشعب الذى ضرب له مثلاً فى صبر القادر وقدرة الصابر وثورة المسالم الذى سالت دماؤه  من أجل أن يمسك بأعنة مصائره ولكن بقيت رواسب القرون والتى كانت قد تأصلت فى البناء الفكرى والوعيوى للشعب    كانت هناك فصائل من الكهنة وكبار الكهنة وقادة الجيوش وأمراء البحار وشيوخ بندر التجار الذين كانوا يقتاتون من فضلات ثروة الفرعون التى كان ينهبها من قوت الشعب وخبزه  كانوا هناك ينظرون إلى مكاسبهم ومسالبهم الهائلة تذهب أدراج الرياح أو تكاد     وكانوا يتربصون

وحالوا دون إقامة حدود العدل على من ظلم ونهب وقتل  وكنت تراهم ما زالوا يعبدونه و ينحنون فى ذلة وضعة , وتراهم ينحنون فى صَغارٍ أمام جثة حية لفرعون عُتُلٍ زَنيم كانت  تنتظر التحنيط  وكانوا يتفانون فى العناية بتلك الجثة الذليلة التى تنتظرالتحنيط وبناء صرح يأويها بعد تمليحها   

رحل الفرعون ذليلاً ولكن الكهنوت هو الكهنوت    يرهبون الجثة الحية ويضعونها فى      أماكن العناية التى تليق بفرعون متوج , ولكن رويداً رويداً يبدو أنه حتى هؤلاء الكهنة وقادة الجيوش وأمراء البحار بدأوا يتخلصون من عقد السنين فى تأليه الفراعين وأمر أحد لكهنة الجدد بتفريق الجثث وإيداعها زنازين السجون . ...  رويداً رويداً بدأ الكهنة فى اللحاق بركب الشعب الذى ثار فوقف له الدهر وحيا