Sunday, July 8, 2012

زيارة منصفة إلى التاريخ





زيارة منصفة إلى  التاريخ
*********************



سير ستيفن رانسيمان أستاذ ورءيس قسم التاريخ فى جامعتى أوكسفورد وكايمبريدج كان أول وآخر أكاديمى يتربع على كرسى الأستاذ لدراسات علوم التاريخ فى اثنتين من أعظم  جامعات العالم وأعرقهم فى القارة الأوروبية وأقدمهم بين جامعات العالم باستثناء القرويين فى المغرب والأزهر فى مصر , وكان أشهر دارساً للتاريخ فى القرن العشرين وأعدله
حكماً وأكثرهم إنصافاً للتاريخ العربى والإسلامى بلا مسالب ولا ملامات

فى حياته, قلدته إليزابيث الثانية ملكة اإنجلترا والكومون ويلث البريطانى لقب فارس الإمبراطورية وقلدته أميناً للتاريخ الإمبراطورى ومؤرخ التاج الملكى. واستضافته أعرق وأكبر جامعات العالم شرقاً وغرباً ( إلا الجامعات  العربية والإسلامية ) للمحاضرة فى  تاريخ الحروب الصليبية وتاريخ الحضارة الإسلامية ومساهماتها العظيمة فى بناء الحضارات الغربية

أسس وقفاً أكاديمياً للدراسات العليا للتاريخ باسم القائد العظيم صلاح الدين  الأيوبى فى جامعة كايمبريدج اعترافا بقدرهً بعد أن كَلّلَهُ واحداً من أنبل القادة  العظام فى التاريخ الإنسانى قاطبة , ولكن بعد رحيله  فى نوفمبر عام 2000  ألغت هذا الوقف الأكاديمى جماعات الصهيونية الحاقدة وما أكثرها نفوذاً فى  العالم الأكاديمى فى الغرب 

 وبعد رحيله لم تذكره صحيفة عربية أو إسلامية واحدة ولا عرفته جامعة  عربية أو إسلامية واحدة , ولذلك فانه من أكثر دواعى الخجل للأوساط الأكاديمية العربية  الإسلامية أن يحيا ويموت ذلك الرجل ويكرس حياته العملية والأكاديمية فى خدمة التاريخ الإسلامى ويكتب قبل مماته ثلاثة أعمال فى سبعة مجللدات عملاقة فى الحضارة الإسلامية والتاريخ
الإسلامى ودورها الفاعل فى البناء الحضارة الغربية ويحتفل به الغرب الصليبيى المضلل ليموت نكرة فى عالمنا المسلم الذى أفنى عمره ليحيي ذكراه التى كان قد اغتالها المضللون الصليبييون

رحل سير ستيفن فى الشهر نوفمبر فى شهر نوفمبر من عام 2000 وكانت آخر  أعماله ثلاثاً منها واحداً من ثلاث من المجللدات  العملاقة كل واحدة منها فى  ثلاث آلاف من الصفحات وهو أكبر وأضخم إنتاج فكرى فى تاريخ الحروب  الصليبية  على الإطلاق. والإنتاج الثانى هو "العنكبوت والبومة والموءرخ" وقام  فيه يفند كل أعمال التاريخ من   اليهود  بتزييف تاريخ الحضارة الإسلامى.  والإنتاج الثالث هو " معبر إلى الشرق" ويصف فيه مجتمع الحضارة الإسلامية  وروابطه فى بناء الحضارة الغربية من بعد سقوط دولة الأندلس العظيمة إلى  القرن العشرين


ومن الغريب أن كان هذا العالم الفاهم المنصف من خلال حياته الأكاديمية لا يترك مناسبة عن الحضارة الإسلامية  إلا وينبه العالم الإسلامى بأن ما يدور فيه هو تكرار لأسباب انهيار الدولة الأندلسية بحضارتها العظيمة والتى كانت هى المركز الحضارى الأعظم على القارة الأوروبية حين ما كان الغرب الصليبى منغمساً إلى الأذقان فى ظلام الجهل والبربرية , ثم بعد ذلك كَلّلوه بأكاليل التكريم والشرف أما من أنصفهم وأحيا ذكرى حضاراتهم فلم يعرفوه أو تجاهلوه

و فى إنتاجه العملاق تحت عنوان " تاريخ الحروب الصليبية " كتب سير ستيفن يقول إن موجات من الهمجية البربرية انطلقت من ربوع القارة الأوروبية جميعاً صوب الشرق تحت دعوى تحرير قدس الأقداس من براثن الكفرة سلالة اسماعيل وكانوا قد نسوا أن أولاءك هم من قد نبغوا فى العلم و كل العلوم الإنسانية والآداب فى عصورهم الذهبية

ويستطرد سير ستيفين ويكتب: ومن الغريب أن أحفاد أولاءك القباءل البربرية فى العصر  الحديث بعد أن بنوا حضارتهم اقتراضاً من الحضارة  الإسلامية وبناءً على ما اعطتهم من العلم والترجمات أن قد اختاروا ان يزيفوا كتابة التاريخ ليمحوا كل آثارها من تاريخهم ليضلوا ويضللوا.


والحقيقة غير المتنازع عليها هى أن للحضارة  الإسلامية كل الفضل فى نقل العلوم والفنون والآداب إلي أوروبا وترجمة كل فلاسفة العالم القديم إلى كل لغات . الأوروبية حتى تَسَنَى للبشرية أن تصل القديم بالحديث وتتبع خطاه فى مسيرة تطور الإنسان فى عصرنا هذا   وتناول سير ستيفن بالتفصيل أعمال علماء المسلمين وسرد سيرتهم وجميع مساهماتهم بتفصيل دقيق فى فصول  كثيرة من موسوعته لوصف دورهم فى صناعة الحضارة الحديثة. 


ولعل أكثر ما جذب انتباهى كانت ملاحظته فى  العلوم الطبية حيث قال: لم يعد بمستطاع أي دارس منصف للتاريخ أن ينكر أن علماء الطب المسلمين ظللوا يعلمون الغرب فنون وعلوم الطب لفترة تزيد على الثمانمائة عام فى كل كتبهم ومجللداتهم وموساعاتهم الطبية قبل أن يأت الطبيب الفرنسى جون كلود بارنارد بإضافة الحديث إلى  كتب الطب الإسلامية التى كانت ترجمت إلى كل لغات  أوروبا وظللت المراجع الرئيسية فى جميع مدارس الطب حتى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر 


 استطرد يقول: ومن المثير للخجل أننا إذا عدنا إلى تلك المراجع الطبية القديمة المترجمة من   لعربية نجد ان القاءمين على ترجمتها تعمدوا بلا أى درجة من درجات الخجل أن يحترفوا فن التزوير بإسقاط الأسماء العربية الإسلامية لمؤلفيها الأصليين كما لو أن تلك  الكتب كانت قد كتبت أنفسها بأنفسها

ومن الطب إلى علوم الرياضيات إلى علوم الكيمياء وعلوم الطبيعة والفلك ترك عمالقة علماء المسلمين من أمثال الخوارزمى وابن حزم وابن سيناء والفارابى تراثاً علمياً هاءلاً يكاد لا يعلم به إلا القليل من أبناء الأمة الإسلامية

يقول سير ستيفن إن من أكبر فلاسفة العلوم الإنسانية فى الغرب من قام بسرقة أعمال أكبر فلاسفة المسلمين جهاراً نهاراً فى قضية عمى عنها حتى أكبر الدارسون العرب فى فرنسا من أمثال طه حسين الذى كانت رسالة الدكتوراه فى أبحاثه عن فيلسوف العرب ابن خلدون , والذى سرق  واقتبس رينيه ديكارت ومكييفيللى أعماله وفلسفته التى كانت بمثابة طفرة فلسفية عملاقة قلبت حقائق علم الاجتماع وعلوم سياسة بناء الدولة الحديثة إلى كل اللغات الأوروبية الحديثة مءات السنين قبل مجيء ديكارت ومكييفيللى 


ومن الغريب  للمراقب لنهج المغتربين ( العرب المتقمصون لحضارة الغرب والاستعلاء على حضارتهم الشرقية ) أن يراهم يتعامون فى تكبر عن حقاىق التاريخ الصلدة ليمتطون جحشات أسيادهم الغربيين الهزيلة العائرة تاركين وراءهم صهوات خيولهم العربية  لأصيلة وقد أغرتهم بهرجة وزخرف حضارة الغرب المادية الزائفة , فيما أنهم لو استعلوا واستعففوا لوجدوا فى حضارتهم أصل الحضارة النبيل , يبنون من حيث انتهى آباؤهم من أجل مستقبل مشرق لأممهم


ومن الشاذ أن نرى أن الحضارة الغربية ترفع رايات الهتاف الاستعلائى فوق أسماء غربية قالوا لنا عنهم فى  سجلات تاريخهم المستنبط أنهم أصحاب الكشوفات العلمية المةهلة فى العصر الحديث. وإذا تناولنا إسماً من هاته الأسماء مثل رينيه ديكارت لوجدنا أنهم يقدموه لنا فى صورة بحر من بحار الرياضيات و جهبذ من جهابذة الكيمياء وأَرْيَباً من عباقرة الفلسفة والحكمة الاجتماعية. وقد سَلَم المستغربون العرب بتلك الادعاءات دون أن يرهقوا ..... أنفسهم بالبحث والتمحيص فى أصول وأمهات التراث الإسلامى العربى حتى يصلوا إلى أم الحقيقة


وأم الحقيقة هى أن رينيه ديكارت اقتبس اقتباساً مخجلاً دون أدنى معايير الديكورَمْ الأخلاقى كل أصول المعادلات  الرياضية فى الجبر والهندسة التحليلية والهندسة الوصفية وحساب التفاضل والتكامل من ابن حزم وجابر ابن حيان  والخوارزمى , ثم ذهب إلى مجللدات ابن سيناء وسرق منها اكتشافاته فى الكيمياء الطبيعية والعضوية دون أن يذكر  اسمه أبداً , ناسباً كل ما وصفه فى العلم لنفسه. ولم يكتفِ بذلك بل تمللككه التبجحبسرقة نظريات الفلسفة  الاجتماعية والعقاءدية ونطريات بناء المجتمعات   السياسية فى الدولة الحديثة من عبد الرحمن ابن الطيب ابن خلدون

 وكيف ولم لا وقد وجد عشيرته العلمية تسرق وتقتبس من الحضارة الشرقية دون أن يجدوا من ينهاهم بمنطق النبل  الأخلاقى من صفهم , ولم يجدوا من يضبطهم ويفضحهم من شراذم المستغربين العرب أو من المستشرقين الغربيين  الذين طأطؤوا رؤوسهم فى ذلة وخنوع لأن أسيادهم الغربيون أشاروا لهم بأن حضارتهم الإسلامية متخللفة وليس ينبغى لها ن يكون لها سبق علمى فى تاريخ البشرية


ولذلك نجد فى فى مجللده الضخم " العنكبوت والبومة والمؤرخ " يستهجن سير ستيفن بسخرية العالِم الفاهم ببواطن  الأمور فى ثقافة مجتمعه الكاره لكل ما هو عربى أو إسلامى ويقول إن من دواعى السخرية أن يصر البعض على  تسمية أعمال ديكارت بالأصولية (أصلية المنشأ من ذاته) والاحتفاء به كواحد من رواد الابتكار العلمى والفكر  الفلسفى ومن أوائل المؤسسين للنظريات العلمية والفلسفية والرياضية , وهو الذى ولد فى

النصف الثانى من العقد  الأخير من القرن السادس عشر ومات تحديداً فى منتصف القرن السابع عشر فى الوقت الذى كانت كل الأعمال المنسوبة إليه موجودة ومترجمة إلى كل اللغات الأوروبية ومتاحة لكل من أراد دراستها أو تكميلها من الدارسين  والباحثين فى كل فروع المعرفة قبل مجيئه إلى الحياة بفترات تراوحت ما بين الماءة عام والخمسماءة عام وفق الحقب الزمانية التى عاش ومات فيها أصحابها العرب المسلمون الأولون.

ويتساءل سير ستيفن هل يمكن لعاقل أن لا يسائل رينيه ديكارت لو كان حياً بيننا الآن كيف ومن أين أتيت بكل  هذا الكم الذاخر من الحصيلة العلمية بكل حروفها ونصوصها وتدرجها العلمى والمنطقى والفكرى وانتمائها الى  أنشطة مؤتمر الإنسانية باختلافاتها الهائلة والتى أحذت  أصحابها الأُوَلْ خمسماءة عام لاستنباطها دون أن يتسنى  لك أن تمر بها وتدرسها لتذكر أصحابها الأوائل كما يجب على العالِم أن يفعل؟ ثم هل يمكن لمنصف من دارسى التاريخ أن يتعامى عن تلك الحقائق المذهلة ويسقط حق التاريخ فى إثبات   الحقائق إلا إن كان من الموتورين؟


وإلى ما انتهى إليه سير ستيفن رانسيمان نستطرد نحن بالتعقيب بأن أي دارس للتاريخ الإنسانى ربما يصف  ديكارت بأنه نقل أفكار وعلماء وفلاسفة المسلمين من ثقافتهم التى كتبوا فيها إلى ثقافة مختلفة بأسلوب ونهج  مختلف , ولكن لا يوجد عاقل منصف يقر بمقولة أن ديكارت كان مبتكراً مستقلاً لم يدر بأعمال من سبقوه برغم  ثوابت الحقيقة الصلدة من التطابق المطلق بين الأفكار والسرد والتحليل الوصفى والرياضى والعلمى والفلسفى مع اختلاف مهمل فى أسلوب العرض والتناول

ولذلك فإذا تناولنا اعمال ابن خلدون بالنقد والتحليل ثم انتقلنا إلى ديكارت , سوف نجد أن ابن غلدون كان قد  أبحر بنا إلى أعماق محيطات الفلسفات الجريكية الروحية والمادية القديمة ونقدها وفندها بالمنطق العقلانى الحديث  ليقدم إلينا فلسفة جديدة أكثر ملاءمة لعصره وتطور مجتمع الإنسانية حيث كان زمانه , رافضاً كثيراً مما سبقه  ..إليه الفلاسفة اليونان ومجدداً ومنتهياً إلى ما نحن قد أجمعنا على قبوله أما ديكارت فقد بدأ بنا بما انتهى اليه  ابن خلدون وانتهى بنا إلى ما انتهى إليه ابن خلدون  أى بكل بساطة أبحر بنا  ديكارت من ميناء ابن خلدون  إلى بحار ابن خلدون ثم عاد ورسى بنا فى ميناء ابن  لدون ثم قيل لنا إن تلك كانت رحلة جديدة! ..... ربما كانت الميناء جديدة لأنها تقع على أرض فرنسية أما الرحلة فهى قديمة والبحار هى كما هى لم تتغير وفى النهاية فالحق ما شهدت به الأعداء. والحق أن سير ستيفن رنسيمان ليس بعدو ولكنه أتى إلينا من صفوف  أبدت للعالم الأسلامى العداوة والبغضاء وما أخفت قلوبهم أعظم

ولذلك فقد أظهر لنا سير ستيفن  بجلاء أنْ إذا جاء الخبر من صفوف الأعداء إنصافاً لنا حتى لو كان حامل الخبر صديقٌ منهم فقد صدقنا القول وهناك القليل من أجيال نشأت فى مصر يفعل إن نبوغ العللامة ابن خلدون لا يعزى إلى أنه كان بحراً فى كل العلوم والمعرفة فحسب ولكن لأنه أول فلاسفة زمانه الذى دمج دراساته المتبحرة العملاقة ووضعالمشروع الأول من خلال هذا الدمج للتحليل التاريخى فى فروع  العلم الذى قسمه وفصله إلى علوم إنسانية تاريخية اجتماعية سياسية اقتصادية وشرعية ربط بها وبنظائرها الرياضية والطبيعية والكيميائية أنماط نمو مجتمعات الإنسانية , وهو الذى ولد فى تونس وتعلم فيها وعمل بالقضاء الشرعى وحورب من قبل قبائل الجهل والأحقاد حتى اضطر إلى النزوح لمصر , وهناك بزغ نور العلم فى الوادى الخصيب  وفى مصر عمل قاضياً للقضاة وأكمل دراساته فى كل فروع العلم والمعرفة وابتكر النظرية التحليلية الفلسفية لسلوك  الإنسان وفكره كاسراً بذلك النظرة الساكنة لفلاسفة اليونان القدماء باستقدامه لفكر فلسفى حديث سماه بالعقلانية ( Rationalism)وكانت تلك النظرة الفلسفية الحديثة هى نواة العمل الفلسفى لكل مفكرى الغرب بدأً من عصور النور إلى عصرنا الحديث وبذلك فهو أول مفكر يخرج عن سياق التواتر الذى كان متبعاً منذ فلاسفة اليونان سوكراطيس وأفلاطون وأريسطوطل ويبتكر المنهاج التحليلى لكل فروع العلم والمعرفة ويربطها بتاريخ قيام وسقوط مجتمعات البشر  


وفى منتهى الحديث عن ابن خلدون , هناك قول مأثور تفوه به جون فيتزجيرالد كينيدى رائيس الولايات المتحدة بين  العامين 1961 و 1963 الذى كان قد قال " لا تسأل عما يمكن أن تفعله من أجلك بلادك ولكن اسأل عما يمكن أن  تفعله أنت من أجل بلادك" ... ولا تكل ولا تمل إذاعات بنى صهيون من ترويج تلك العبارة ناسبين عبقرية المعنى

إلى ابنهم الكاثوليكى البار وهم الذين كانوا قد اغتالوه نطراً لسياساته غير المعلنة المعارضة لصهيونيتهم اللئيمة الطامعة ..... وقبله بأكثر من ستماءة عام كتب ابن خلدون يقول: " إن عبقرية الرعية تكمن فى أن لا تسأل عما يمكن أن تقدمه لها الأوطان ولكن فى أن تنجز بالأفعال أعمالاً من نتائجها أن تقوم وتحيَ الاوطان."


******************************

انتهى